خلال الأيام القليلة الماضية أتيحت لي الفرصة للحديث أمام المؤتمرين السنويين لـ"رابطة العسكريين الأميركيين المتقاعدين"، و"جمعية المحاربين الأميركيين القدامى"، الذين خاضوا حروباً في الخارج. والحقيقة أن المرء يشعر دائماً خلال مثل هذه المؤتمرات بالإكبار لهؤلاء الجنود الذين خدموا وحاربوا من أجل بلدنا خلال فترات عصيبة وحالكة الظلام من تاريخها عندما لم يكن واضحاً لنا ما إذا كانت طريقتنا في الحياة هي التي ستسود أم لا. وها نحن الآن نخوض- مرة أخرى- صراعات تختبر مدى إيماننا بأن الدفاع عن الحرية يساوي الثمن الباهظ الذي ندفعه من أجلها. ومرة أخرى أيضاً نجد أن هناك من يختلفون مع المهمة التي نقوم بها، ويشككون في كونها تستحق ما نقدمه فيها من تضحيات. وهو شيء يجب علينا أن نتوقعه في أوقات الحروب. واليوم هناك من يؤمن بأن الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة كانتا حربين معالمهما واضحة ومحددة بلونين هما الأبيض والأسود، ويقف فيهما الخير في مواجهة الشر، ولكن يجب علينا ألا ننسى أيضاً أنه كان هناك دائماً من يعتقدون أننا يجب أن نتقهقر داخل حدودنا. وإذا ما عادت بنا الذاكرة إلى السنوات التي سبقت اندلاع نيران الحرب العالمية الثانية، فسوف نتذكر أن العديد من الدول الغربية قد حاولت في ذلك الوقت، وفي إطار محاولتها لتجنب تكرار المذبحة التي حدثت في الحرب العالمية الأولى، أن تسترضي بعض الدول التي كانت تمثل تهديداً في أوروبا وآسيا، وأن نتذكر أيضاً أن هؤلاء الذين ارتفعت أصواتهم بالتحذير من خطر النازية والفاشية والشيوعية كان يتم السخرية منهم أو تجاهلهم. إن العدو الذي نواجهه اليوم يختلف عن العدو الذي واجهناه بالأمس، ولكن هناك شيئا يجمع بينهما ألا وهو الهدف الواحد الذي يتمثل في فرض الأيديولوجية المتعصبة على بقية العالم. وعندما تحدث أمام محاربينا القدماء فإنني طرحت عدة أسئلة كي تكون دليلاً لنا في نضالنا ضد المتطرفين الذين يتخذون العنف منهجاً وهذه الأسئلة هي: - مع ازدياد درجة تدميرية الأسلحة وتوافرها... هل بمقدورنا حقا أن نتمتع بترف الاعتقاد بأنه يمكننا استرضاء المتطرفين الأشرار بأي صورة من الصور؟ - هل بمقدورنا مواصلة الاعتقاد بأن الدول الحرة يمكنها أن تتفاوض على سلام منفصل مع الإرهابيين؟ - هل بمقدورنا حقا أن نتظاهر اليوم بأن التهديدات التي نواجهها لا تزيد عن كونها مشكلات متعلقة بـ" فرض القانون" وليست تهديدات تختلف اختلافاً جوهرياً عما عداها، وتحتاج إلى نهج في التعامل يختلف هو الآخر اختلافاً جذريا عما عداه؟ - هل بمقدورنا حقاً أن نعود إلى الرؤية المدمرة التي تقول إن أميركا- وليس العدو الذي تحاربه- هي مصدر كل المتاعب التي يعاني منها العالم؟ هذه الأسئلة هي الأسئلة الجوهرية في زمننا هذا... واليوم كما في جميع فترات الصراع ليس أمامنا من خيار سوى مواجهتها بأمانة. وأود هنا لفت النظر إلى أن السؤال الأخير في هذه الأسئلة يحظى بأهمية خاصة، وهو ما يرجع إلى حقيقة أن الحرب التي نخوضها في الوقت الراهن هي الحرب الأولى في القرن الحادي والعشرين، وأنها حرب سيتم خوضها في وسائل الإعلام وعلى المسرح العالمي، وهو ما يعني أن ليس بوسعنا أن نسمح لهؤلاء الإرهابيين بأن يكرروا أكاذيبهم وخرافاتهم دون مساءلة واعتراض. علينا أيضاً أن نعلم تمام العلم أن النضال الذي نخوضه في هذا المضمار هو نضال فائق الأهمية، وأن العواقب التي تتمخض عنه وخيمة للغاية، وبدرجة لا تسمح لنا بأن نجعل العقلية التي تدعو إلى "توجيه اللوم إلى أميركا أولاً" أن تسود، وتحجب عنا حقيقة أن دولتنا- وإن كانت ليست كاملة- إلا أنها قوة من قوى الخير في هذا العالم الذي نعيش فيه. علينا أن نفكر ملياً في مغزى أننا لو قمنا مثلاً بإجراء بحث على قاعدة المعلومات في صحفنا الرئيسية، فسوف يتبين لنا أن عدد المرات التي ذكرت فيها تلك الصحف أسماء الجنود الذين عوقبوا على سوء السلوك في سجن "أبوغريب" تزيد عشرة أضعاف عن عدد المرات التي ذكرت فيها تلك الصحف اسم الرقيب أول" بول راي سميث"، الذي كان أول من استلم نوط الشرف في الحرب العالمية على الإرهاب. وعلينا أيضاً أن نفكر ملياً في الحالة التي قامت فيها منظمة العفو الدولية وهي منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان نكن لها الاحترام، بوصف المرافق والتسهيلات الموجودة في معتقل جوانتانامو بأنها تشبه تلك التي كانت موجودة في "أرخبيل الجولاج"، في إشارة إلى نظام السجون ومعسكرات العمل السوفييتية التي تعرض فيها المدنيون الأبرياء إلى الجوع والتعذيب والقتل. كان هذا هو الوصف الذي أطلقته تلك المنظمة على معتقل جوانتانامو على الرغم من أن الحقيقة هي أن هذا المعتقل يضم ملاعب للكرة الطائرة وكرة السلة وكرة القدم، ومكتبة تضم العديد من الكتب (التي كان أكثرها طلباً هو كتاب هاري بوتر). وليس هذا هو كل شيء، فالطعام الذي كان يقدم في جوانتانامو كان حسب الشريعة الإسلامية، وكان من نوعية يكفي أن نعرف أن تكلفة الوجبة منها تزيد عن متوسط تكلفة الوجبة التي يتناولها الجندي الأميركي. ليست هذه الأمثلة سوى نموذج للأمثلة السائدة في وسائل الإعلام العالمية، وهو ما يجعلني أشعر بالقلق جراء غياب المنظور في حوارنا القومي، وأقصد بذلك المنظور التاريخي ومنظور التحديات والتهديدات الجديدة التي تواجهها الشعوب الحرة في عالم اليوم. إن هؤلاء الذين يعرفون الحقيقة بحاجة إلى الحديث بصراحة، وبحاجة إلى رفع أصواتهم ضد الخرافات وتشويه الحقائق المتعلقة بقواتنا وبأمتنا. دونالد رامسفيلد ــــــــــــــــــــــــــــــــ وزير الدفاع الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"